نص الخطاب الذي ألقاه جلالة الملك اليوم بمدينة العيون

العيون يوم 06/03/2002

" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه..
     رعايانا الأوفياء..
   ها نحن اليوم نجدد العهد بكم في هذه المدينة الصامدة ونخاطبكم وسط هذه الجموع الحاشدة التي نبادلها حبا بحب ووفاء بوفاء.
   كما أننا سعداء بأن نخاطب من خلالكم كافة أفراد شعبنا العزيز من هذه الأقاليم المباركة التي توجد في قلب كل مواطن مغربي والتي ظلت منذ دولة المرابطين ومرورا بعهد جدنا المقدس  المولى الحسن الأول ووصولا إلى عهد مبدع المسيرة الخضراء ومحرر الصحراء والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني ومكونا أساسيا لكيان المغرب التاريخي وهويته الحضارية.
   ومن ثم كان التحام المغاربة قاطبة حول قيادة العرش  لخوض  معركة استكمال وحدتهم الترابية غير المنقوصة وتشبثهم القوي بالثوابت المقدسة من شرعية تاريخية ودينية مستمدة من البيعة وسيادة وطنية كاملة وإجماع وطني راسخ حولها.
   وما لقاوءنا بكم اليوم وقد ظهرت للعالم المطامع التوسعية والهيمنية للخصم المكشوف لوحدتنا الترابية إلا تأكيد لتمسكنا القوي بهذه الثوابت المقدسة ورفضنا القاطع لكل مشروع يستهدف المس  بوحدتنا الترابية وبسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ويهدد السلم والاستقرار بمنطقة المغرب العربي.
   وإن حفيد جلالة الملك المحرر محمد الخامس  ووارث سر جلالة الملك الموحد الحسن الثاني قدس الله روحيهما والموءتمن دستوريا على وحدة المغرب ليعلن باسمه واسم جميع المواطنين أن المغرب لن يتنازل عن شبر واحد من تراب صحرائه غير القابل للتصرف أو التقسيم.
   وعندما التزمنا بالتفاوض من أجل حل عادل ودائم على أساس  الاتفاق الإطار الأممي الذي نظل متمسكين به فلأنه حظي بالموافقة والتشجيع الدوليين الواسعين والوازنين ولأنه قبل كل شيء يندرج في إطار احترام السيادة المغربية والوحدة الترابية ويلائم توجهنا الاستراتيجي القائم على الديمقراطية والجهوية واللامركزية والحفاظ على استقرار المغرب العربي وتوطيد وحدة شعوبه بدل تمزيقها بافتعال كيانات وهمية.
   ومن هذا المنطلق الاستراتيجي كنا أعلنا في خطابنا بمناسبة تخليد الذكرى السادسة والعشرين للمسيرة الخضراء المظفرة عن عزمنا القوي على جعل أقاليمنا الجنوبية مثالا يحتذى للتنمية الجهوية المندمجة.
   وأكدنا على أن يكون التخطيط لها وإنجازها بتشاور وتشارك مع كل أبناء هذه الاقاليم بمختلف مجالسهم المنتخبة وشبابهم وفعالياتهم ونخبهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
   وفي سياق تمكين كل جهات مملكتنا من وسائل التدبير الديمقراطي اللامتمركز واللامركزي لتنميتها الجهوية فإننا نعلن في هذا اليوم المشهود عن قرارنا بإحداث وكالة خاصة بتنمية الأقاليم الجنوبية تجسيدا للعناية الخاصة التي نوليها لها.
   وقد أصدرنا تعليماتنا السامية إلى حكومتنا كي تنكب على إخراج هذه الموءسسة إلى حيز الوجود في أقرب وقت.
   وحرصا منا على أن تكون برامج ومشاريع هذه الوكالة منبثقة من واقع المنطقة ومن تطلعات أبنائها فإننا ننتظر من الأيام الدراسية التي أمرنا بتنظيمها هنا بمدينة العيون في الأسابيع القريبة بلورة مخطط التنمية الجهوية للأقاليم الجنوبية في مشاريع مضبوطة وبرامج محددة بزمانها ومكانها وتمويلها وتقويمها.
   وينبغي لهذه الوكالة أن تواصل المجهودات الجبارة التي بذلت لتزويد هذه المناطق بتجهيزات تحتية أساسية في مجالات الطرق والمرافىء والإسكان والإنارة والماء الشروب وتمكينها من التنمية الاجتماعية.
   ويتعين عليها بصفة خاصة أن تعطي الأولوية المطلقة للنهوض  بالاستثمار المنتج المبدع للثروة المنشىء لفرص  الشغل القار والكريم للشباب.
   وعليها أن تستثمر الموءهلات الطبيعية للمنطقة في مجالات الصناعة المعدنية والصيد البحري والصناعة التقليدية والسياحة والتجارة وكذا مواردها البشرية الموءهلة للإبداع والعطاء المعروفة بطاقاتها الاقتصادية الواعدة وقدراتها العلمية العريقة وحنكتها المتأصلة.
   وفي سياق التفعيل الملموس  لهذا المشروع التنموي الطموح أنتظر من الحكومة أن تضع حدا لمشكل السكن غير اللائق في هذه الأقاليم.
   كما أدعو الحكومة إلى أن تعجل داخل مدة عامين بإنجاز ست قرى للصيد مجهزة بمرافقها البحرية والسكنية والترفيهية ومعززة بموانىء موسعة.
   وبنفس  الإلحاح أحث الحكومة على إيلاء قطاع تربية المواشي ولا سيما الإبل منها عناية خاصة وعلى أن تأخذ بعين الاعتبار ظروف الجفاف. كما أدعوها إلى حسن استثمار موءهلات أقاليمنا الصحراوية كمحور للمبادلات التجارية التقليدية في المنطقة ولا سيما مع جارتنا الشقيقة موريتانيا.
   ولنا اليقين بأن المخطط التنموي بأقاليمنا الجنوبية سيحقق تطلعات رعايانا الأوفياء المرابطين على أرضهم كما سيضمن العيش  الكريم للعائدين المستجيبين لنداء الوطن الغفور الرحيم.
   تلكم رعايانا الأوفياء سكان الأقاليم الجنوبية مرتكزات مشروعنا التنموي الذي سنسهر على إنجازه في أرضنا الواثقين من سيادتنا الكاملة على ربوعها المحصنة بقواتنا المسلحة الملكية وأفراد الدرك الملكي والقوات المساعدة والأمن الوطني التي نوجه إليها تحية إكبار وتقدير.
   وسيظل التحامك- شعبي العزيز- حول عرشك الساهر على أمن المغرب واستقراره ووحدته والدفاع عن حوزته وقيمه الدينية السمحة كما كان دوما عبر كل محطات التاريخ الحصن الحصين للكيان الموحد للأمة المغربية والدفاع عن سيادتها والمضي بها قدما على درب استكمال بناء مغرب الوحدة والديمقراطية والتقدم.
   والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".